اخترقنا... وبعد ؟

اريد ان اناقش في مقالتي هذه موضوع الاختراق و الهجمة الالكترونية التي شنها بعض محترفي الاختراق العرب على بعض المواقع الاسرائلية ذات الاسماء الرنانه و المستويات الرفيعه ، لا انفي الشعور الجميل و بعض الرضى عن عملية الاختراق ، و كأني ابحث عن انتصار في اي مجال او في اي مكان ، انتصار افتخر به و يرفع بعضا من معنوياتي الى مكان اعلى من الحالي و يرضي غروري بان اسم بلادي او جنسيتي ذُكر و لو لبرهة من الزمن من جديد على مستوى العالم .
لكن لو ناقشنا الموضوع بقليل من العقلانية ، خصوصا حول الطريقة التي تناولت بها الصحافة و الاعلام  المرئي و المسموع و المكتوب الاحترافي و الهاوي ، و كذلك كيف تعامل الشارع العام مع هذا الخبر ، شخصيا لا ادري مثل اغلب الناس حجم الاختراق و لاي عمق قد حدث وهل كانت له مكاسب استراتيجية معلوماتية ام لا ، و لكن ما سمعته و ما رايته على ارض الواقع من بعض الصور و زيارة بعض المواقع التي انتشر خبر اختراقها على الانترنت ، يعطيني انطباع بان المستهدف كان مجرد الواجهة فقط مواقع عادية تعرض خدمات عامة مثل خدمات البحث عن معلومة او خدمات البريد الالكتروني او بعض الاحصائيات و المعلومات ، و قد يكون بعضها فعلا ذو اهمية تجارية فبه تباع و تشترى اسهم او بضاعة او موقع شركة تامينات او اي شيء من هذا القبيل .

وكما قلت آنفا فلنفكر ببعض العقلانية و لنحسب مكاسبنا من هذه العملية :
  • خسائر مادية للكيان الصهيوني نتيجة توقف خدماته خصوصا التجارية منها .
  • كسب معنوي للمواطن العربي لشعوره بالنصر.
  • عودة الجماعية و لو في الصورة التي راينها بين مواطني الدول العربي .

لننقاش الان حجم الضرر الذي تسببت به هذه الهجمات :
  • حجم الخسائر المادية ليست بتلك الكبيرة مقارنة بالدخل السنوي لاسرائيل الذي يصل حسب احصائية سنة 2011 من البنك الدولي قرابة 243 مليار دولار امريكي سنويا (المصدر) .
  • خسائر البيانات و لا اعتقد انها ايضا بتلك الخاسرة الكبيرة فكل ما تم خسارته هو كم من المعلومات المعروضة علنا او المسموح بالوصول اليها عبر شبكة الانترنت ، و اي توقف لاي خدمة يمكن اعادته بكل بساطة خلال فترة وجيزة عن طريق اي نسخه احتياطية بعد اضافة التعديلات و الرقع الامنية اللازمة و المطلوبة .

بالاضافة طبعا الى كم رهيب من التصريحات ملأت الانترنت و التي ارى انها مجرد مبالغات و تصريحات موسمية يخرجونها من الثلاجة كلما دعت الحاجة لاستخدامها ، منها تدمير اسرائيل ، انهيار الاقتصاد الاسرائيلي ، هزيمة اسرائيل الكترونيا ، انهيار الخط الدفاعي الاسرائيلي امام هجمات العرب و المسلمين ، و غيرها الكثير التي لا ارى ان هناك جدوى من نقاشها اصلا.

لكل حرب او هجوم اهداف و استراتجيات اذا تحقق يعتبر الهجوم ناجح و اذا فشلت فيعتبر هجوم فاشل ، اذا كان الغرض من الهجوم تدمير اسرائيل الكترونيا فهذا امر لم يتحقق و بعيد المنال ، اذا كان الغرض تحقيق ضربه محدوده للاقتصاد فنعم تم النجاح في ذلك ، اذا كان الغرض رفع المعنويات و اثبات انني موجود فنعم نجحنا ولكن كمن يتنشق المخدرات فالنشوة لحظية ، حقق المهاجمين نشوتهم و انتصارهم و اشعروا العرب من جديد بانهم امة واحدة قوية و احيوا بعض الامل من جديد ، لكن ما يلبث كل هذا ان يتلاشى تحت غبار التقادم و مشاكل الحياة اليومية في كل بلد التي لم يتم حلها و لن يتم حلها في القريب ، و ايضا هناك مشكلة اخرى تم الهجوم من بعض الافراد من شتى الدول العربية و الاسلامية على مواقع حكومية اسرائيلية و تحقق نصر لحظي لنا و الان نحن في انتظار رد الفعل ، وكما لدينا من يعرف كيف يخترق كذلك لديهم من يعرف كيف يخترق ، و السؤال هل اجهزة دولتنا ومواقعنا الحكومية الالكتورنية و منظومتنا الموصولة بشبكة الانترنت مستعدة للتصدي لمثل هذا هجوم ؟ ماذا لو توقفت كل خدمت شبكة ليبيانا و المدار و ال تي تي ، ماهو حجم الخسائر في الدولة الليبية ، ماذا لو تم اختراق مراكز معلومات مصارفنا ؟ هل نحن مستعدين لمثل هذه الصدمة ؟ و من هو الخاسر الاكبر في هذه الحالة ؟

لن اقول ان كل ما تم خطأ او انه صواب بل اناقش في منطق حدَثْ معين ، كفانا من سياسة الهدم وسياسة اما معي او ضدي ، فمجرد الهجوم على مواقع اسرائيلية كالتي تم ذكرها هو مسبّة في المخترقين ، فدولنا لا تملك هذا الكم من المواقع الحكومية ذات التاثير وذات الخدمات المتنوعة التي اذا سقطت ستسبب ازمة للدولة كما يدعي اعلامنا ، وساتكلم هنا عن ليبيا فهي دولتي و اعرف ضعف امكانيتها التقنية نتيجة طبيعة وظيفتي ، اذا كان الغرض من الاختراق اثبات الذات العلمية و المعرفية فيا ريت من المخترقين عشّاق علم الامن و الحماية التقنية ان يتعاونوا فيما بينهم في تأسيس شركة محلية لامن المعلومات تخترع مضاد فيروسات ليبي و تنتج الاصدارت المتعاقبة للبرنامج بتحديثاته و تسوق لبرامجها محليا و لما لا حتى عالميا ، فتوَفّر برامج امنية يُمّكِن الاعتماد عليها بلا ثغرات بلا ابواب خلفية يعتبر جزء من الامن المعلوماتي للدولة ، لما لا يتم انتاج اجهزة لتصفية محتوى الانترنت او تحسين كفاءة الشبكة كمنتجات شركة WatchGuard او FortiNet و غيرهم الكثير ، اعلم ان المسافة بيننا وبينهم كبيرة لكن كما قلت امن المعلومات هدف قومي استراتيجي و اعتمادك على منتج جاهز اجنبي في حماية معلوماتك كمن يعتمد على جيش من المرتزقة لتأمين حدوده ولاؤهم لمن يدفع اكثر و لا فرق كبير بين اضعاف الخصم و تهديمه وبين تامين جانبك و دفاعاتك ضد مثل هذه الهجمات و البداية دائما متعبة و اول الغيث قطرة .

تم نشرها في موقع صحيفة الكاف بتاريخ 9 ابريل 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )