فضفضة

حكم معمر القذافي البلاد لمدة تزيد عن الاربعين سنة عبث و افسد و صال و جال كما شاء و كما اراد و لم يكتفي فقط بافساد المؤسسات و اهدار المال العام بل اكثر ما افسد تاثيرا هو افساده للشعب و منظومة الاخلاق في حد ذاتها و تغييبها و اختفت تحت مسميات عديدة و اعذار مثل الفاقة و الحاجة و الشعور بالظلم و الدليل على هذا ما نشاهده في حياتنا اليومية من قبول الشعب للفساد و تعايشهم معه بل و وصلنا الى مرحلة خوف البعض من انتهاء هذه المنظومة فباختفائها تختفي مصالحهم و لا يبقى لهم وجود خارجها فلا يستطيعون العيش بدون مزرعة الفساد و طقوسها.

كان اندلاع الثورة امر لابد منه و لا شك في ذلك ، و كل من وقف مؤيد لها و لا يزال فهو على حق ، و اعتقد ان كل من ينتقد الاوضاع الحالية بكل ما فيها ايضا على حق و لديه الكثير من الحجج و المنطق في ذلك ، فلا يمكن باي حال من الاحوال الطعن في منطق الناقدين بعد رؤية الواقع فهو خليط من ظلم حديث و فوضى عارمة بالاضافة الى تراكمات قديمة موروثة من الانظمة السابقة.

السؤال المطروح الآن كم ستحتاج الدولة حتى تستقر و ننتهي من مرحلة الثورة و ننتقل الى مرحلة البناء؟
الحمد لله ان طريقة الثورة الليبية كانت ثورة مسلحة قضت على كل اجهزة الدولة السابقة من امن داخلي و كتائب خاصة و لجان ثورية وغيرها ، لكن اثناء قضائها على هذه الاجهزة قضت او على الاقل عطلت بعض الاجهزة المفيدة ، و لم يتبقى من النظام السابق الا بعض الهاربين الذين لم يعودوا في دائرة السلطة و لم تعد لهم اي نفوذ الا بالتآمر و التواطؤ و بعض المتلونين نتاج زواج السياسة بالقوى الاقتصادية الذين لم يمارسوا سلطة سياسية فعليا في النظام السابق و اقصد هنا اصحاب النفوذ الاجتماعي اصحاب رؤوس الاموال ، استغرق القضاء على القذافي و نظامه عسكريا ما يقارب الثمانية الشهور ، و ما نعيشه الان يدل ان القضاء على المتبقين يستغرق و قت اطول بكثير و جهد اكثر .

واحدى اكبر المشاكل التي ستواجه الحكومة هو القضاء عليه ليس فقط لانه هدف استراتيجي سنكسب من ورائه شيء لكن لارضاء الجماهير ، فالقضاء على الكل اصبح مطلب جماهيري و طموح كل مواطن ليبي ، و اصبح نقاء العمل و سلامة الدولة و الحكومة و مصداقيتها مربوط بخلوها من اي شائبة او شبهة ان احد اعضائها قد عمل في نظام حكم القذافي ، و البعض يزايد على هذا ، فاكثر من مرة ركبت في احدى "التاكسيات" ودار الحديث مع السائق حول اوضاع البلد و يبدأ النقاش ان ابن خالة عمة عضو المؤتمر الوطني العلاني قد كان يشتغل في الامن الداخلي ، و هذا دليل ساحق ماحق على فساد المؤتمر !!!

وهذا اكبر تحدي يجب ان يعيه اصحاب المناصب سواء في الحكومة التنفيذية او الحكومة التشريعية ان نتيجة التراكمات السابقة اكثر ما فُقد هو ثقة الشعب في اصحاب السلطة و بدون هذه الثقة لن يكون العمل سلسا نهائيا ، و المصيبة اننا نرى الصراعات السياسية الداخلية بين الاحزاب و التيارات الفكرية المختلفة تؤجج و تعمق عدم الثقة ، فمن اساسيات الصراع الفكري الحالي الدائر في ليبيا ان تطعن في عدوك بدلا من التسويق لافكارك وتناضل من اجل اثبات صحة نظريتك ، فهذه الطريقة هي الاسهل و ليست الافضل فانت تتبع طريقة لسان حالها يقول انكم يجب ان تختاروني ليس لانني الاختيار الصحيح بل اختاروني لان الاخرين على خطأ ، و المنطق من ورائها هو اذا اثبت ان الكل خطأ فلا يبقى الا انا الصحيح ، و هذا منطق ضحل و سطحي جدا و يمكن ضحضه بكامل السهولة ، و هذا ما نراه في النقاشات السياسية الفكرية الحالية في ليبيا لا احد ينتصر الكل مهزوم لان اسلوب النقاش و الخطاب مبني على الضحالة و الغباء و لا ادري السبب في ذلك هل لان المخاطِبين اغبياء ام ان المخاطَبين هم الاغبياء ، ام كلاهما ، ام ان الموضوع لا يتعدى تعصب لمنطق معين ومذهب فكري معين بدون اي فهم فلا تبقى هكذا الا الحوارات و الدفاعات الغبية السطحية .

اما على الصعيد التنفيذي فالطريقة المتبعه هي عدم احتمال المسؤولية و رمي حمل جميع الاخطاء على الطرف الاخر و ان لم يوجد طرف ثاني فاصطنع طرف ثالث و لك في نظرية المؤامرة و شعب غير مثقف طوق النجاة ، و هذه الطريقة لا تبني اي ثقة بين الحكومة او السلطة و الشعب .

التعامل مع الشعب باسلوب انه لا يفهم و لا يجب شرح الحقائق له ، او يجب شرح الحقائق باسلوب يضلل الشعب ولو كانت بهدف الحفاظ على الامن العام لا يزيد الامر الا كارثية فقلة المعلومات وتضاربها هي البيئة الملائمة لتكاثر الشائعات و كلنا نعلم ان السرية في ليبيا شبه معدومة و الكل يدعي الاطلاع على كل شي و تسريب الوثائق على صفحات الانترنت اكثر عدد مرات قتل خميس القذافي ، و مع الشائعات تبدأ ردود الفعل في الشارع و التخبط و الاتهامات ، و يمكن قياس استقرار الاوضاع بمعادلة بسيطة بقياس عدد الشائعات ونوعها ، فكلما زاد عدد الشائعات و سخافة نوعيتها كلما دل ذلك على نقص المعلومات في الشارع و الخوف و عدم الثقة التي تمر بها البلاد.

لماذا لا يحدث حوار بدون  طعونات و تخوين و ما الى ذلك ، لماذا لا تلتقي الاطراف السياسية  في منطقة محايدة من اجل الصالح العام ، لماذا نقفل كل الطرق ؟ لماذا نحرق جسور التواصل التي لم يبنيها اصلا الساسة ؟  ، يوجح ضوء في نهاية الطريق يوجح امل في نهاية الممر لكن اصحاب القرار مصرين على الادعاء بانه نار اللهيب ، هذه الثورة محتاجة الى العقل ليقودها الى الاتزان الى التواضع ، كفانا من خصخصة الثورة و محاولة اكتساب الشرعية من دماء الشهداء ، وكفانا من الصراع الفارغ انا من حرركم انا من قام بكذا ، كفانا من منطق "من انتم ؟ اين كان ابائكم و اجدادكم؟" .

و يا اخوتي كونوا اصحاب رأي ، و كفانا تجميد للعضو الهلامي داخل جمامجنا المسمى مخ  كفانا سلبية و كفانا حياة التابعين ، اختار و لا تدعهم يختاروا لك ، و كم يعجبني هذا المقطع من النشيد المغربي وبه اختم :

اخوتي هيا لالعلا سعيا .... نشهد الدنيا انّا هنا نحيا

تم نشرها بتاريخ 7 ابريل 2013 على موقع الكاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )