في ليلة من تلك الليالي التي لا ارغب فيها بالقيام باي شيء او التفكير بأي شيء، تلك الليالي و الايام التي اقضي فيها ساعات اسميها ساعات الغباء ، اتصفح فيها تطبيق الغباء الاول في العالم "التيك توك" هذا التطبيق الذي اتهموه بكل شيء من نشر الغباء الى زيادة معدل تشتت ذهن مستخدميه ولن ننسى طبعا التهم الجنسية من شبكات دعارة والاتجار بالاطفال، عندما نصل الى هذه المرحلة لن يهنأ بال اصحاب نظرية المؤامرة باتهامات من نوع الجوسسة لصالح الصين.
عودة لمساق الحديث في احدى تلك الليالي تعرفت و لاول مرة عن دار النشر الجديدة على مسامعي "بيت الياسمين" الاردنية و المُؤسسة سنة 2010 ، وتعتبر حديثة نسبيا فلم الوم نفسي عن جهلي بها. ذكر امامي في ذلك الفيديو القصير عن السلسة الجديدة التي تتبناها الدار و المسماة "اعمال الرعب الأصلية"، التي تعهدت فيه الدار عن كونها قصص مختلفة غير مكررة او منقولة او مترجمة، وهذا التصريح قد شد انتباهي بشدة واثار فضولي.
عبر تطبيق ابجد لقراءة الكتب بحثت عن بعض العناوين لتلك السلسة ، لم اتعب نفسي بقراءة نبذة عن كل قصة ، بل اكتفيت بالانتقاء بناء على العنوان و شكل الغلاف، الذي بصراحة كان مميزا في اغلب القصص بتصميمه البسيط ذي الاطار الابيض ، و الرسمة المعبرة عن فحوى القصة او هكذا افترض ، مع الشريط المائل المميز لهذه الكتب في الركن الايسر الاعلى من الغلاف مكتوب فيه "اعمال الرعب الأصلية".
اخترت عنوانين وضعتهم في سلسلة الكتب التي انتوي قراءتها ، كان الاول هو "الغرفة 7" والتي قرأتها بعد قراءتي لقصة عنوان المقال "قطط سوداء" ، ولله الحمد كان اختيارا موفقا جدا في ان ابدا بهذه القصة الرائعة. ورغم انقطاعي لمدة طويلة عن قراءة الأدب بشكل عام ، ولكن ونتيجة ظروف صحية تحصلت على فترة من الراحة بعيدا عن الروتين اليومي و العمل ، ويبدو انه بعيدا عن العمل تعود الرغبة في ممارسة الهوايات من جديد. كم اتوق للتقاعد المبكر حتى يعود وقتي ملكي ، وهو حلم بعيد المنال.
و الان عن قصة "قطط سوداء" للكاتب المصري "حسين السيد" اتكلم هذا الكاتب الذي لم اعرف له اي قصة سابقة، واتصور انني سأبحث عن باقي قصصه المدة القادمة.
الثيمة العامة للقصة تتكلم عن فكرة الطفل الملعون ابن الشيطان أو ابن احد الشياطين ، حتى لا يفهم من كلامي انني اتكلم عن ابليس بذاته، او الممسوس من صغره، وهي قصة تعتبر من الرعب النفسي اكثر من الرعب الدموي او كما اسماه الدكتور احمد خالد توفيق رعب الامعاء، ولهذه الثيمة قواعد اساسية يمكن تلخيصها، و لا تتمسك بصحة معلوماتي فلست ناقدا فنيا ولا كاتبا ممارسا لمهنة التاليف.
الشخصيات في الغالب لا تحتوي هذه القصص عن الكثير من الشخصيات، فالشخصيات الاساسية هما الاب و الام و مرفق بهما المولود او الطفل ، ومحيطة بهذه الاسرة شخصيات اضافية مساندة ، منها ام و اب للطرفين ، دكتور لمتابعة الحمل
المرحلة الاولى مرحلة بناء العقدة يبني فيها الكاتب الاساس للقصة و التي تبدأ بوضوح شديد في وجود مشكلة تتعلق في الغالب بالانجاب و هذا ما بنى عليه كاتبنا القصة، لكن توجد صور اخرى للتراجيديا كوفاة مولود حديثا. التنوع في الافكار موجود دائما و العبقري من يخترع حبكة جديدة كأن يموت حيوان أليف للاسرة ويسعون لاعادته والتي كتب عنها “ستيفن كينج” قصته الشهيرة “مقبرة الحيوانات” هنا البس حب الاسرة لابنتهم الصغيرة المتمسكة بحيوانها الاليف وجعلها نقطة مفصلية كذريعة للافعال القادمة بعدها التي يقدم فيها احد افراد الاسرة على تقديم تنازلات لاحدى الكائنات الشيطانية او السحرة، وكاتبنا “حسين السيد” اختار ان يكون المقدّم له التنازل اداة عصرية فاختار موقع انترنت و التواصل عبر الشبكة كوسيط، و هو اختيار موفق جدا و يخلق التنوع الذي يميز قصة عن قصة.
المرحلة الثانية مرحلة الفرج، يجب ان يخطط الكاتب في هذه المرحلة الى اشعار القارئ بالانفراج الذي حدث في حياة الاسرة، بحدوث الشيء المحرومين منه سواء حمل كان او عودة ميت بشكل عام، وهي مرحلة ترقب وانتظار من قبل القارئ لما سيحدث في قادم القصة. ولكن لن يغفل الكاتب عن زرع الشك في قلوبنا، وتبدا بملاحظات لاحداث غريبة من احد اطراف العائلة والتي تدور في فلك الافكار التالية:
- ملاحظات للزوج تتعلق بشرود الزوجة اثناء الحمل او حركتها في الليل و التي تصل الى حد المشي اثناء النوم.
- ملاحظات للزوجة في شعورها بانخفاض الوزن وعكسها الشراهة في آن واحد وكأنها تغذي الطفل فقط، وهي ثيمة مشهورة جدا مبنية على فكرة “الاكل حيا”، وقد يتمادى الكاتب ونصل لمرحلة الافراط في تناول اكل غريب مثل الحشرات او لحم نيء … الخ
- كره الحيوانات او خوفها من الحمل والجنين.
- نفوق بعض الحيوانات و يحبذ لو كانت غربان او حمام باصطدامها بزجاج غرف المنزل.
- اضغاث الاحلام من جميع الاطراف، و قد تصل الى مرحلة الرؤى وغالبا ما يكون من ضمنها مضاجعة للزوجة من شيطان او شياطين، ولن تخلو طبعا رؤية للطفل بشكل شيطاني يسعى لاغتيال احد افراد الاسرة.
- مراجعة طبيب النساء ومشاهد سونارية للجنين بشكل شيطاني او حيواني او بذيل.
الى المرحلة الثالثة من حياة القصة عنوانها الولادة، هنا يتبع الكاتب اسلوب تصاعدي في الاحداث خلال المرحلتين و النصف السابقتين ، فقد سعى لغرس الكثير من الشكوك، وكلها تصب في مصلحة الحبكة لبناء العقدة التي تحتاج الى الفك و الحل، ولن تبتعد في استنتاجك عن الصواب اذا كان توقعك هل يولد الطفل طبيعيا ام شيطانيا ؟ هذا القرار يحدد في الغالب نهاية القصة وطبيعة الصراع فقد اصبح الخير بين و الشر مولود ملموس.
وقد اتخذ كاتبنا قراره بولادة طفل طبيعي، طفل وديع هادئ جميل، يشعرك ويؤكد قاعدة الهدوء الذي يسبق العاصفة، يستمر الهدوء برهة من الزمن تتخللها بعض القرائن لشيطنة الطفل كنمو سريع او اصوات غريبة تصدر من حجرة الطفل، باختصار مخل سيحدث كل ما يمكن ان يقود الابوين الى الجنون، وفي حال وجود اطفال اخرين للعائلة فلن يخلو الموضوع من تعرضهم لمخاطر وجود اخ غيور بروح شريرة معهم ، مما يقود الى مرحلة الصراع واتخاذ قرار حاسم بالقضاء على الطفل في اسرع وقت ، وبطبيعة الحال استمرارية السعي لا تعني حتمية الوصول، فمن رغب في نهاية سعيدة والتي ينتصر فيها الحق دائما على الشر، لا انصحه بهذا النمط من القصص ، ولكن يوجد تصور آخر للقصة بان تكون الولادة شيطانية وهنا غالبا تكون الضحية الاب بأن تتعاطف الأم مع طفلها و تحميه.
في الكثير من هذه القصص يكون دور الأم شائك ومتناقض ففي البداية لن تدرك حجم الكارثة النامية في جوفها وستكون متعاطفة جدا مع حملها ، ولكن مع الوقت سيزداد شعورها بالعزلة وان هناك شيء غريب يحدث داخلها ، ولكن لن يخسرها هذا اي درجة من درجات الامومة. مع التطور الطبيعي للاحداث ستضارب المشاعر بداخلها هذا التضارب اما ان يقودها لحب مولودها مهما كان و على اي حال و على اي شاكلة ، او ترى الحقيقة ظاهرة مشعشعة، ويا حسرتاه من هذا الصراع النفسي الشنيع فاما تقتل حبيبها وليدها وان كان شيطانا ، او العيش من اتباع الشيطان!! ، ولن نحتاج لمحلل نفسي ليشخص هذه الحالة بانها مرشح قوي للانتحار.
ان كنا في قصة مسيحية فلن يخلو الموضوع من دخول قساوسة كاثوليك وقيامهم بطقوسهم المعتادة في الافلام ، و التي غالبا في هذا النوع من القصص لن تختم بتطهير الطفل بل بانتصار الشر على العقيدة الدينية .
المرحلة الاخيرة مرحلة التخلص من الشر وهنا يتخذ احد الاطراف اما الاب او الام او القسيس قرار بالتخلص الفوري من هذا الشر المستطير ولن يخرج عن محاولة القتل المباشر له او للاسرة بالكامل وقد ينجح فتكون القصة معلومة النهاية ، او يفشل وبهذا تكون القصة مفتوحة النهاية.
هل هذا يعني ان القصة غير جميلة بعد كل هذا التحليل ، لا طبعا فحتى ادراكنا لمكونات القصة ولكن هذا الشكل العام الهيكل العام لاي قصة من هذا النوع ولكن الاحداث التي تقع بين هذه الاعمدة ما يجعل القصة فريدة و جميلة ومختلفة عن غيرها ، للامانة القصة جميلة بل اعتبرها رائعة و هي تشبه بشكل عام قصص اخرى من حيث الحبكة مثل قصة “طفل روزماري” للكاتب الامريكي “ايرا لافين” و التي قدمتها بالعربية المؤلفة شيرين هنائي ، وثنائية “صانع الظلام” للكاتب المصري العبقري “تامر ابراهيم” والذ اتمنى ان يعود من جديد للتأليف .
اما من عالم السينما فاشهر تلك سلسلة افلام “The Omen” و كذلك فيلم “Rosemary's Baby” وهو الفيلم الصادر عن نفس القصة المذكورة بالاعلى ، كذلك يوجد مسلسل يخوض حول هذه القصة قصة الطفل الملعون “Evil”.
غالبا ما تنتهي هذه القصص بنهاية مفتوحة يبقى فيها الطفل حيا كنوع من الفلسفة: ان الشر باق و مستمر مهما حاول الخير مقاومته ، المرعب في هذا النوع من القصص ان رمز الطهارة في الدنيا وواحدة من اجمل الاحداث في وحدة بناء المجتمع الاولية الاسرة ، قد تتحول الى مصدر الرعب القادم للعالم ، خصوصا مع الفكر الغربي الداعم لفكرة ابن الشيطان وكما للرب ابن فماذا لا يكون للشيطان ابناء، هذه العقدية المشوهة و المزروعة في عقل الكثيرين تجعل القصة لها تأثير كبير، وهنا يكمن جمال قصة “قطط سوداء” فهي لا تزرع الخوف بل تظهر مخاوف قديمة باطنة للسطح كانت قد اخفتها الحياة، تكتشف بها حقيقتك النفسية وان الخير لا ينتصر دائما والتهديد ليس دائما من خارج عالمك.

