( 1 )
كان هناك محل صغير بالقرب من بيتنا، تلتصق ألعابه خلف الزجاج كأنها تراقب الداخلين والخارجين. لم أكن أملك الجرأة للدخول، ولا الدنانير طبعًا، لكني كنت أملك شيئًا أغلى: فضول طفل لا يعرف الكلل. كنت أمرّ من أمامه وأنا ممسوس بحلم لا شكل له بعد — الحلم الذي صار لاحقًا شغفًا اسمه الإلكترونيات.
( 2 )
لنبدأ بالاعتراف مباشرةً: أنا أحب الإلكترونيات. هذه ليست مجرد هواية عابرة، بل رغبة قديمة متجذرة، تنمو كلما اكتشفت شيئًا جديدًا خلف أزرار جهاز أو ضوءٍ صغير يومض في هدوء. المفارقة أنني لم أكن أفهم تمامًا كيف تعمل، لكن ذلك لم يمنعني من الانجذاب العميق إليها.
( 3 )
في طفولتي، كان شارع 24 ديسمبر (أول سبتمبر سابقًا) بمثابة مختبر مفتوح لفضولي الإلكتروني. بين محلات التلفاز، والراديو، والأجهزة الكهرومنزلية، كنت أقف طويلًا أحدّق في التصميمات، وفي تداخل المعدن بالبلاستيك، في الأزرار، في تناغم التفاصيل التي تثير الخيال. كنت أرى كل جهاز كما لو كان امتدادًا لحلم كرتوني: صندوق تحكم عملاق مثل ذاك الذي كان يستعمله حسام في "رعد العملاق".
( 4 )
أكثر المحلات التي تركت أثرًا فيّ كان "القمر الأحمر"؛ محل متخصص بأجهزة الألعاب الإلكترونية. لم أكن أجرؤ على دخول المحل، لكن عبوري أمامه كان كافيًا لإطلاق العنان لمخيلتي. الرسومات على علب الألعاب الصغيرة كانت تنبض بالحياة وكأنها تعدني بعوالم لا تنتهي، كلما فكرت بها شعرت أن طفولتي كانت، في جوهرها، مغامرة افتراضية مستمرة.
( 5 )
مع مرور الزمن، تطور شغفي من مجرد حب الألعاب إلى عشق أعمق لعالم تقنية المعلومات. لم تعد الشاشة مجرد نافذة للترفيه، بل أصبحت بوابة لعالم مليء بالتحديات والإبداع. اليوم، أجد نفسي غارقًا في لغات البرمجة، قواعد البيانات، مواصفات الأجهزة، وإدارة أنظمة التشغيل. هذا الانتقال لم يكن مجرد تغيير في الاهتمامات، بل تحول إلى مسار مهني يومي أعيشه بشغف، حيث أستمتع بحل المشكلات التقنية وبناء الأنظمة التي تجعل الحياة أسهل وأكثر اتصالًا.
( 6 )
ربما لأنها تحاكي شيئًا في داخلنا: فكرة التنظيم، البنية الدقيقة، الاستجابة المدروسة. ربما لأن كل جهاز يحمل بصمة عقلٍ بشري اجتهد ليبني آلة تفعل ما لا يمكننا فعله وحدنا. وربما فقط لأنها كانت دومًا رفيقتي في الوحدة، في الرحلة من الصبي الحالم إلى الرجل الذي لا يزال يرى في الدوائر الصغيرة أحلامًا كبيرة.
( 7 )
![]() |
احدى الألعاب التي امضيت عليها ساعات من صباي |
من بين الألعاب التي تركت بصمة لا تُنسى في طفولتي كانت لعبة QuackShot من Sega. تدور أحداث اللعبة حول شخصية "دونالد داك" الذي ينطلق في مغامرة شيقة مليئة بالألغاز والتحديات. كانت اللعبة تتميز برسوماتها الجذابة وأسلوب اللعب الممتع الذي يجمع بين الاستكشاف وحل الألغاز. كنت أقضي ساعات طويلة محاولًا تجاوز المراحل المختلفة، مستمتعًا بالموسيقى التصويرية التي تضيف جوًا من الحماس والإثارة. QuackShot لم تكن مجرد لعبة بالنسبة لي، بل كانت نافذة إلى عوالم خيالية أطلقت العنان لمخيلتي وشجعتني على التفكير الإبداعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )