الرحلة الكونية


بالامس جلست اشاهد تسجيل لوثائقي قمت بتحميله من موقع Youtube  منذ اكثر من سنة بعنوان Cosmic Voyage ، و قد شدني اليه منذ اللحظة الاولى فكرة البرنامج ، طريقة التصوير ، المحتوى الجذاب ، و الاكثر من هذا كله صوت الممثل الامريكي الاكثر  من رائع مورقين فريمين ، اعتقدت في البداية انه مجرد برنامج وثائقي اخر يتكلم عن الكون و نظرية نشوئه و عن الكواكب و المجوعة الشمسية و ما الى ذلك ، ولكن عند متاعبتي له اثبت لي ان احيانا كثيرة الابداع ليس في المحتوى فقط و لكن في طريقة تناول هذا المحتوى ، طريقة عرضه ، طريقة الاجابة عن الاسئلة ، و القدرة على ابقائك متعطش للاجابات و التساؤلات التي تطرح و تتولد بتلقائية شديدة اثناء السرد ، عند هذه النقطة جال بخاطري تساؤل بسيط حول جدوى التعليم العام في ليبيا ، اذا لم يعطيني جديد العلم و جديد الابحاث و اخر التصورات و النظريات بطريقة فعلا تقدم الاضافة لعقلي و ذهني.
البرنامج الوثائقي يتكلم عن صلة الانسان بالكون و موضعه فيه و كأنه يطبق الامر الالهي بالتأمل في الخلق و هذا الكون البديع ، و حدد موقعنا مع ماهو اكبر منا الى ان وصل الى حدود الكون ،و بما هو اصغر منا الى ان وصول الى الجسيمات دون الذرية و ما دون البروتون و النيترون .
 ثم عرج بنا الى اصل الكون و نظرية الانفجار الكبير ، وبناء الكون ووحدت الكون مع بعضه وان مُكَوِّن الكون واحد و كيف تشكلت الذرات و كيف تشكلت المجرات و كيف اندمجت المجرات ، مع الكثير من المعلومات و اشارات الاستفهام في وسط العرض .
لم استطع ان اصبر  حتى انتهي من مشاهدة البرنامج الوثائقي ، بل اخذني الحماس ، وبدأت في الكتابة ، لماذا لم يتم تعليمنا علم الفلك في المدرسة كل الذي درسناه المجموعة الشمسية وتعريف للمذنب و الكوكب و الكويكب و النجم ، لماذا لم يتم تعليمنا ، اسم اقرب نجم لنا و لماذا لا يمكننا الوصول اليه في الوقت الحالي ، هل توجد كواكب اخرى في الكون ، ما انواعها و اشكالها ، هل تموت النجوم ، اين تشكلت المعادن ، و ندخل في تفاصيل اكثر عن السوبر نوفا ، و عن المجال المغناطيسي للارض و حمايته لنا، ماهو المكون الاساسي للشمس و كم درجة الحرارة على سطحها و متى ستنتهي الشمس ..... و قس على ما سبق جبال من الاسئلة من هذا النوع .
الغاية من التعليم ليس مجرد حشو دماغ الطفل بعلم لا معنى له بل يجب ان يواكب ما يحدث في باقي العالم و عمّا يتكلم باقي العالم ، يجب اعطاء معلومة ذات قيمة و لها فائدة وصحيحة للطفل بالاضافة الى انه يجب اثارة فضوله باسئلة و اجابات و نظريات ، و ربط كل المعلومات مع بعضها رياضيات بفيزياء بكيمياء بتاريخ كلها مع الحياة التي نعيشها فعلا و الا فلا معنى لها كمعلومات مجردة  .
فالغاية خلق دماغ يَعْقِل و يَتَفَكَّر و يتأمل ، يقدم الاضافة و يستوعب العلوم الجديدة و يربطها بعلوم قديمة ويبدع شيء جديد ، اطلت الحديث و الاستطراد فاختم بنصيحة تابعوا التسجيل الوثائقي و استمتعوا.

عدم الرضى الى مالانهاية

في البداية احب ان انوه انها مقالة سياسية ، فمن لا يهمه الامر انصحه بقفل الصفحة من الان بدلا من اضاعة وقته، ومن قرر ان يستمر سوف احاول ان تكون قصير واضحة الاهداف .
لا يكاد ينعقد اي مجلس في اي مناسبة اجتماعية بدون ان يكون جزء من وقت الجلسة يُقْضَى في نقاش سياسي عن احوال البلاد و افعال و قرارات سادة البلاد .
ويغلب على كل هذه الحوارات طابع الكآبة و الامال الضائعة و الاحباط و عدم الرضى عما يجري في البلاد ، و اتكلم هنا عن عدم الرضا المُسَبَّبْ ، المنطقي الذي يأتي كرد فعل على حدث معين او قرار و ليس عن عدم الرضى الناتج عن صراع سياسي او عدم حب لغريم سياسي او كما يشار له بكلمتي صراع السلطة 
و اذا تجمعت مجموعه من الناس يشعرون بعدم الرضى لسبب مشترك و لهم الدافع و القدرة و الجرأة على تصعيد الموقف سيتحول عدم رضاهم الى شكل من اشكال الاعتراض ، اما بالتصريحات في وسائل الاعلام او على الاقل بالحديث في الوسط الاجتماعي ، او ان يتحول الى اعتصام او مظاهرة ، او قفل طرق ، او شغب و قد يصل الى حد الثورة ، و هي اشياء لا يتمناها اي نظام حكم يسعى الى استقرار البلاد .
يقودنا هذا الى سؤال : مما ينتج عدم الرضى ؟ ، لا ادعي المعرفة الكاملة او الحكمة المطلقة لكن ما اراه من حالة عدم الرضى قد نتج عن فرق بين ما يتصوره المرء للحياة الكريمة و القرار السليم و بين الواقع الذي يعيشه وما يراه امامه ، فمثلا يتوقع اي خريج جامعي ان يتحصل على عمل في مدة قصيرة بعد التخرج و تكون بمرتب يشبع احتياجاته و هي القدرة على الحصول على سيارة و منزل في فترة زمنية مقبولة نسبيا ( يعتمد تحديد طول الفترة على الشخص نفسه و خلفيته الثقافية و الفكرية ) ، و لكن يصطدم هذا الشخص بالواقع ، صعوبة الحصول على وظيفة او على الاقل صعوبة الحصول على وظيفة ترضيه و تحقق له طموحه في الفترة الزمنية المرجوة .
وهذا ا يولد ضيق في النفس و احباط و شعور عام بالظلم و ان حقه قد ضاع ، و من المؤكد ان رد الفعل هذا لا يكون عامًا عند كل الناس و لكن البعض ينطبق عليه ما ذُكِر ، و باستمرار تردي الاوضاع ستتوسع دائرة عدم الرضى افقيا بازدياد عدد الناس و رأسيا بازدياد حالة عدم الرضى .
ومن المفترض و المنطقي ان يكون هدف من اهداف اي متخذ قرار ان يحتوي و يسيطر على حالة عدم الرضى ، وكما قيل قديما ساد العرب رجلان رجل بسيفه و رجل بحلمه و لينه ، وعلى ما سبق قس احد اساليب احتواء حالة عدم الرضى هو القمع و اثبتت التجربة انه مهما طال الزمن فلابد من ساعة انفجار ، و الاسلوب التاني هو العقل و الهدف معالجة اسباب عدم الرضى .
ومن خصائص الاسلوب التاني اقامة الاحصائيات و استقصاءات الرأي لتجميع المعلومات حول الشعب و رغباته و مفهومه للحياة و ماذا يريد و كيف يريدها و متى ، و بناء على هذه المعلومات تتكون صورة واضحة يتم عن طريقها تقسيم الشعب لطبقات أو مجموعات  تشمل و تأخذ في الاعتبارالتوزيع الجغرافي للسكان ، و تبنى الخطط و المشاريع استنادًا على ما سبق بحيث تكون الغاية و الغرض الغاء حالة عدم الرضى .

فهل يا ترى نرى شيئا كهذا في قادم الايام في ليبيا ؟! ، لا ادري و لكن اتمنى ذلك .